الحضارم وصناعة النجاح
د. عائض القرني
قصة الحضارم في صناعة النجاح يجب أن تُدرَس وأن يوقف معها
طويلا لأنها أصبحت أسطورة وظاهرة، وقد قامت بعض القنوات مثل قناة «العربية» في
برنامج «هجرة الحضارم» بإلقاء الضوء على هذه القصة المذهلة المدهشة للحضارم،
وهم يصنعون مجدهم بجدهم وكدحهم وكفاحهم وعرقهم وتضحياتهم، وقد انبهر علامة
الجزيرة الشيخ حمد الجاسر في مقدمته لتاريخ حضرموت للسقاف من هذا النجاح
الحضرمي، ولا أعلم طائفة هاجرت من بلادها فصاروا نجوما ورموزا في بلاد غيرهم
إلا الحضارم، حتى ابن خلدون أسرته حضرمية هاجرت إلى تونس فكان هذا العلامة
العبقري، وامرؤ القيس قائد الشعراء أصوله من كندة من حضرموت، والمتنبي الشاعر
الأسطورة كندي، قبيلته من حضرموت، ولهذا كتب فيه العلامة السقاف كتابه الرائع
الماتع «العود الهندي في شرح مجالس الكندي» يقصد المتنبي.
وقد انتشروا في كثير من الدول، فكانوا هم الوزراء والسفراء
والتجار الكبار، وتركوا بصماتهم في كل أرض نزلوا فيها، ومن منا لا يعرف نجومية
محمد بن لادن، ومحمد حسين العمودي، وابن محفوظ، وغيرهم كثير؟ لماذا لا يدرس
شبابنا قصة الحضارم في الإصرار والاستمرار والهمة والطموح بدلا من جلوسهم في
المقاهي يتناولون السيجار والشيشة ويلعبون الورقة ويقضمون الفصفص؟
دخلت دولا فإذا بنوك بكاملها باسم رجال أعمال حضارم، يدخل
الحضرمي راكبا بأجرة في سيارة عادية، فيكدح ويعمل وينتج، ثم يُنشئ بنكا ويتنقل
بطائرة خاصة يملكها، ويوظف أهل البلد الذين نزل عندهم ضيفا، فيصبح هو رئيسهم؛
لأنه لم يأخذ المجد بالنوم والأماني وأحلام اليقظة والتسويف، بل بالعزيمة
والحزم والمواصلة والمثابرة. وقد ذكر العلامة السقاف في تاريخه المدهش «إيدام
القوت في تاريخ حضرموت) قصصا رائعة في نجاح الحضارم، إلى درجة أن يهاجر حضرمي
من بلده إلى الهند وهو فقير ثم يعود ورأس ماله أكياس من الذهب، وخمس وعشرون
سفينة تعبر البحار.
ومن شغفي بتاريخ الحضارم زرت حضرموت قبل فترة مع طلبة علم
ورجال أعمال سعوديين، ووصلنا (سيؤن والمكلا) علّنا نكشف سر العبقرية والنجاح،
هل هو في تراب أرضهم؟ فإذا هو تراب مثل ترابنا. أهو في مائهم؟ فإذا الماء
واحد. لكن وجدناه في القلوب الحية، والهمم العالية، والنفوس الكبيرة، والطموح
الجبار، والعزيمة الهائلة.
لقد برع الحضارم في العلم والأدب والمال والسياسة والفكر
والتواضع وهمة النفس وحسن الخلق، ولئن تحدث الناس عن اقتصاد الحضارم وترشيدهم
للمال فلقد قرأت قصصا وعشتها عن بذلهم، تُذكّرك بكرم حاتم الطائي، فبعضهم عمّر
مئات المساجد، وآخر حفر مئات الآبار للمساكين، وثالث أوقف عقارا واسعا في سبيل
الله.
شكرا للعبقرية الحضرمية، وبارك الله في تلك النفوس الكبيرة،
التي أخرجت امرأ القيس والمتنبي وابن خلدون وباكثير ومحمد بن لادن ومحمد
العمودي وابن محفوظ وبالبيد وبقشان وباخشب وباعشن وبادريق وباسمح، وغيرهم
كثير.
وأرجو من الإخوة الحضارم أن يخبرونا بكلمة السر في نجاحهم، وأن
يدلونا على مفتاح التميز والتفرد في مسيرتهم، وأن يرشدونا إلى البيت الذي
جعلهم نجوما في العلم والاقتصاد والسياسة والأدب والفكر، حتى نخبر بذلك
الخاملين والنائمين والمحبطين والكسالى أهل التسويف والأراجيف والشائعات
والتردد. يحق لمدفعية المجد أن تطلق إحدى وعشرين طلقة احتفاء بالحضارم؛ لأنهم
حققوا النجومية في عالم الطموح، والألمعية التي وصلوا إليها بجهادهم وبذلهم
وتعبهم وسهرهم.
* من تلقَ منهم تقُل لاقيتُ سيّدَهم ـ همُ الحضارمُ فانزلْ في
مرابعهم
* مثل النجوم التي يَسري بها الساري ـ صِيدٌ بهاليلُ حفّاظونَ
للجارِ
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق